منح دراسية للأفغانيات- بصيص أمل لمستقبل التعليم في أفغانستان
المؤلف: بشرى فيصل السباعي09.23.2025

في مستجدات الأخبار المؤسفة، أُفيد بإنهاء بعثة أكثر من ثمانين فتاة أفغانية، كن يتلقين تعليمهن الجامعي المرموق في رحاب دولة عُمان الشقيقة، وذلك بفضل منح دراسية سخية كانت تمولها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في إطار برنامج طموح يُعرف بـ "منحة المرأة". هذا القرار المؤسف جاء نتيجة لإجراءات تقليص النفقات التي تبنتها إدارة ترامب لبرامج المساعدات الخارجية التابعة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
لا شك أن هذا الإجراء الجائر يمثل نهاية مؤلمة لمستقبلهن الزاهر، خاصة في ظل الظروف القاسية التي تفرضها حركة "طالبان" التي تمنع تعليم الفتيات. هذا الخبر المأساوي يلفت الأنظار بشدة إلى إمكانية القيام بعمل جليل لإبقاء جذوة الأمل ونور العلم متقدة في قلوب نصف المجتمع الأفغاني، وذلك من خلال تبني الدول الإسلامية مبادرات مبتكرة لتقديم منح دراسية قيّمة للأفغانيات الطموحات.
المملكة العربية السعودية، الرائدة بلا منازع في مجال تمكين المرأة، يمكن أن يكون لمشاركتها الفعالة في تقديم المنح الدراسية للأفغانيات أثرًا بالغًا وعميقًا، وذلك بفضل مكانتها الدينية الرفيعة. هذه المشاركة المباركة ستضفي شرعية إضافية على تعليم الأفغانيات، وتشكل ضغطًا معنويًا هائلًا على حكومة طالبان لإعادة النظر في قرارها المجحف بمنع تعليم البنات.
إن هؤلاء الفتيات اللاتي سيتلقين تعليمهن خارج أفغانستان سيصبحن أيضًا قوة ضاغطة ومؤثرة على حكومة طالبان لتحسين وضع النساء وتمكينهن من الحقوق الإنسانية الأساسية التي تم حرمانهن منها ظلماً. إن تعليمهن يمثل حرفيًا إنقاذًا لحياة النساء في أفغانستان، ففي ظل منع حكومة طالبان للأطباء الرجال من علاج النساء، وفي الوقت نفسه منع تعليم وتخريج طبيبات قادرات على معالجة النساء، فإن ذلك يعني حرمان النساء من العلاج اللازم والموت نتيجة لذلك، وكأنهن يعشن في العصور المظلمة، بينما ينعم الرجال بالعلاج الطبي الحديث. لذلك، من الأهمية بمكان منح الأفغانيات منحًا دراسية لدراسة الطب بشكل خاص.
طالما هناك فئة متعلمة من النساء، فسيبقى هناك أمل بأن يكن نواة لحركة تعليم الفتيات في أفغانستان. يمكن لرابطة العالم الإسلامي أن تتبنى برنامجًا رائدًا لتقديم المنح الدراسية للأفغانيات. ومؤخرًا، عُقد في العاصمة الباكستانية إسلام آباد مؤتمر هام بعنوان "تعليم الفتيات في المجتمعات المسلمة: التحديات والفرص" بمبادرة ورعاية كريمة من رابطة العالم الإسلامي. وتم الإعلان عن مبادرة "إعلان إسلام آباد لتعليم الفتيات" لتوفير الفرص التعليمية للفتيات المسلمات في جميع أنحاء العالم.
يبقى التحدي الأكبر هو ترجمة تلك المبادرة الطموحة إلى إجراءات عملية ملموسة على أرض الواقع، مثل تقديم المنح الدراسية للفتيات في المجتمعات التي تحرمهن من التعليم، مثل أفغانستان. وهناك أهمية خاصة لتقديم رابطة العالم الإسلامي تلك المنح الدراسية للفتيات، لأنها تجرد معارضي تعليم البنات من حجتهم الواهية بأن تعليمهن هو تغريب ومخطط غربي له أهداف سلبية خبيثة خفية، وفقًا لنظريات المؤامرة التقليدية، بسبب دعم المنظمات والدول الغربية لتعليم الفتيات.
إن تبني الدول الإسلامية ورابطة العالم الإسلامي لتقديم المنح الدراسية للأفغانيات وغيرهن من الفتيات المسلمات المحرومات من التعليم سيحظى بسمعة عالمية إيجابية واسعة النطاق، وسيساهم في تغيير الصورة النمطية السلبية عن الإسلام بأنه يعادي حقوق المرأة الإنسانية الأساسية. فمن خلال تبني دول إسلامية لمبادرات تقديم المنح الدراسية للمسلمات المحرومات من التعليم، سيتم دحض هذه الادعاءات الباطلة.
لا شك أن ما شوّه صورة الإسلام في العالم هو جعله عدوًا لتعليم وحقوق الإناث. ولتسهيل إجراءات تقديم تلك المنح، يمكن أن تكون من قبل دول يتوفر فيها تعليم منفصل للبنات عن الأولاد، وذلك لتحييد أي حجج قد تثيرها حكومة طالبان في منع قبول تلك المنح الدراسية.
جدير بالذكر أن الطالبات الأفغانيات اللاتي كن يتعلمن في عُمان بمنح دراسية أمريكية يخشين التعرض لإجراءات انتقامية من "طالبان" عند عودتهن إلى بلدهن، بسبب أن منحتهن الدراسية كانت ممولة من قبل أمريكا. وهذا يبين الأهمية القصوى لمبادرة رابطة العالم الإسلامي بتقديم المنح الدراسية للأفغانيات، حيث لن تكون هناك حجة لحكومة طالبان ضد الفتيات اللاتي يحصلن على المنح الدراسية في الخارج، بما أنها جاءت من طرف إسلامي. إن الكثافة المتزايدة لحصول الأفغانيات على منح دراسية خارجية ستشكل ضغطًا معنويًا متزايدًا على حكومة طالبان لتسمح بتعليم الفتيات وتمكينهن.